محمد زكي يوسف يشرح طريقة عمل أحد اختراعاته
محمد زكي يوسف يشرح طريقة عمل أحد اختراعاته


فلاحون لكن مخترعون ..  ابتكار لتفادي الضباب ومادة عازلة من نواة البلح

أحمد الجمال

الخميس، 01 يونيو 2023 - 08:22 م

فى محافظة الشرقية، وقبل نحو 53 عامًا، توّصل فلاح من قرية «الشوبك» إلى تصنيع نواة البلح وتحويلها إلى مادة البكاليت الصلبة العازلة للحرارة والكهرباء والماء، وتوصل فلاح آخر من قرية «كفور نجم» إلى جهاز يحمى السائق من أخطار الضباب، وسجل ثالث طريقة جديدة لمقاومة دودة القطن.. ووقتها نشرت «آخرساعة» تقريرًا عن قصة هؤلاء الفلاحين مع الاختراع، نعيد نشره بتصرف فى السطور التالية:
بلا شهادات علمية، وبلا معامل ولا مراكز أبحاث، وبقدر ضئيل جدًا من العلم المدرسي، لا يتعدى سنوات المدرسة الابتدائية، استطاع عدد من الفلاحين، أن يدرجوا أنفسهم فى دائرة المخترعين، وإذا كان «الاختراع» كلمة كبيرة فى حاجة إلى قدر كبير من العلم والإمكانيات والتجارب المتعددة، فليس المطلوب دائمًا اختراع صاروخ عابر للقارات، ولكن يمكن اختراع أشياء بسيطة، ولكنها فى نفس الوقت تحل للناس مشكلاتهم، وما أكثر المشكلات الصغيرة التى يعانى منها الإنسان، وفى حاجة إلى مخترع.
وهذا ما فكّر فيه الفلاح محمد زكى يوسف (52 سنة) من قرية «كفور نجم» التابعة لمركز أبوكبير.. وعم زكى لم يحصل حتى على الشهادة الابتدائية، ولكنه لاحظ، الأخطار الكثيفة التى يتعرض لها كل أنواع السيارات، بسبب الضباب الكثيف، الذى يضيّق مجال الرؤية أمام السائق، ومعظم حوادث السيارات وتحديدًا على الطرق الزراعية هى بسبب الضباب، وفكّر زكى فى اختراع وسيلة تنبه السائق للطريق إذا أحاط به الضباب.
يقول عم زكي، الذى لا يملك سيارة: «أنا فلاح أعيش على خمسة فدادين أنا وأولادى الأربعة، ورغبة الاختراع والفك والربط عندى منذ زمن طويل، وبدأت ملاحظتى لأخطار الضباب وإمكانيات ابتكار جهاز مساعد، منذ 13 عامًا، فهذا الجهاز الذى توصلت إليه ثمرة سنوات طويلة. وهو عبارة عن مفتاح يُرّكب تحت ذراع مسّاحة الزجاج الأمامى للسيارة، متصل بأسلاك لتشغيل لمبتين من لمبات الصوديوم من الأمام وخلف العربة، وتتصل الأسلاك بآلة التنبيه أيضًا، ويوجد مفتاح آخر لتوصيل التيار الكهربائى من بطارية السيارة، وفى حالة توقفها فى الطريق لأى ظرف اضطرارى فى جو ضبابي، يمكن تشغيل مسّاحة الزجاج الأمامية التى تضغط على مفتاح الصوت والضوء، أثناء حركتها ذهابًا وعودة فوق الزجاج، وبذلك يصدر عن السيارة صوتٌ متقطّع من آلة التنبيه بواقع ست مرات فى الدقيقة، يُسمع على بُعد كيلومتر، حيث إن الضباب موصل جيد للصوت، وفى نفس الوقت تصدر إشارات ضوئية من اللمبات الأمامية والخلفية تُرى على بُعد ثمانية أمتار، ويمكن إبطال الجهاز فى حالة سير العربة».. ويتابع: «هناك جهاز آخر توصلت إليه أيضًا للتنبيه الخلفى للسيارات، عن طريق الصوت والضوء يشبه الجهاز الأول، ولا يُستخدم إلا فى حالة رجوع السيارة للخلف، وبذلك يمكن تجنب أخطار التصادم».. ويقوم العقيد محمد عبدالمنعم بإدارة المرور المركزية بالقاهرة ببحث هذا الاختراع لمعرفة مدى فائدته وأثره فى التقليل من حوادث السيارات.
جهاز إيقاظ من النوم.


ولم تقتصر عملية الاختراع على الفلاح زكى يوسف، بل إن الرجل نفسه يشجع ابنه أحمد (17 سنة) الطالب بمدرسة بلبيس الثانوية الصناعية قسم البرادة، ويتبنى أفكاره ويصرف عليها من جيبه حتى توصل أحمد إلى ابتكار جهاز لإيقاظ أصحاب النوم العميق من العمّال الذين يقومون بعمل بدنى مرهق أو الأشخاص الذين يعيشون فى مساكن بمفردهم.. هذه الفكرة المبسطة فى رأى أحمد تشجع على زيادة الإنتاج وتقلل من حالات غياب العمّال.
ويقول المخترع الصغير: «الجهاز لا يتكلف سوى جنيه واحد، وهو مكوّن من جزءين متصلين بمنبه توقيت عادي، الجزء الأول تصدر منه إشارات تنبيه وإضاءة متقطعة، والجهاز الثانى عبارة عن خيط طويل طرفه الأول مربوط بثقل والطرف الثانى يستطيع الشخص النائم أن يربطه بذراعه، وعندما يريد أن يستيقظ فى ساعة معينة يضبط المنبه وفى اللحظة المطلوبة تصدر إشارات التنبيه، وفى نفس الوقت ينزل الثقل فيشد الخيط يد النائم وتظل مرفوعة لأعلى حتى يستيقظ.”
رشاش يعمل بالكحول
والرجل الثانى من قرية «الشوبك»، عاش فترة طويلة بالزقازيق وعمره الآن (45 سنة)، له ثلاث بنات أكبرهن تخرجت فى كلية التجارة والثانية حصلت على الثانوية العامة بالقسم العلمى والأخيرة فى المرحلة الابتدائية.. الرجل كان تعليمه اجتهاديًا كما يقول.. يقرأ كثيرًا فى الصحف والمجلات، وفى إحدى المرات كان محمد أحمد عرابى يتفرج فى التلفزيون على برنامج مقاومة دودة القطن، وخطر بباله عدة تساؤلات: كيف يستطيع العلماء أن يتوصلوا إلى تحقيق المعجزات فى الوقت الذى يعجز العلم عن إبادة حشرة صغيرة تسبب خسائر جسيمة. ولماذا لا أقوم أنا بمحاولة قد تفيد بلدى وأقضى على هذه الدودة اللعينة؟


ومن وقتها بدأ الرجل يسهر ليالى طويلة فى التفكير حتى ثبتت عنده فكرة الانتقام النهائى من دودة القطن بحرقها فى الحقول. واهتدى إلى مادة الكحول التى تحرق نفسها بنفسها عند الاشتعال، وقام بتصميم رشاش يؤدى هذه المهمة.
يقول عرابى عن اختراعه الذى سجله فى مكتب براءة الاختراع: «توصلت لعمل رشاش يشبه رشاش التوكسافين وعند فوهته بشابير (ثقوب دقيقة)، وبدلا من أن يوضع المبيد الحشرى بداخله توضع مادة الكحول التى تخرج بضغط الهواء وأمام هذه الثقوب الدقيقة توجد شمعة مشتعلة، وعند تشغيل الرشاش يخرج الكحول مشتعلا على هيئة لهب خفيف يحرق ديدان لوزة القطن».

اقرأ أيضًا| 69 عامًا على اكتشاف «الملاخ» لمركب «خوفو»
ويتكلم بحماس شديد عن المراحل التى مر بها اختراعه: «عرضت الفكرة على وزارة الزراعة وقام معى أربعة من المهندسين الزراعيين لتجربتها وكتبوا تقريرهم الذى يقول إن التجربة ناجحة، ولكن الخوف على العمّال الذين يقومون بعملية الرش. كما أن مكتب براءة الاختراع بالقاهرة اعترض على تنفيذ الفكرة اعتمادًا على تقرير الوزارة».
البكاليت
وهناك اختراع آخر قام عرابى بتسجيله أيضًا، وهو تصنيع نواة البلح وتحويلها إلى مادة  البكاليت، وهى مادة بلاستيكية تستوردها مصر من الخارج وتُستخدم فى صناعة بعض قطع غيار السيارات وأدوات المطبخ والزينة فى المنازل. وتقوم الفكرة على طحن كميات من نوى البلح التى تخرج من مصانع تجفيفه، ويتم تجميع مسوق النواة بمواد كيماوية ويوضع تحت درجات حرارة خاصة حتى يصل إلى مادة البكاليت التى يمكن أن تتخذ الأشكال المطلوبة، كما أنها مادة عازلة للحرارة والكهرباء والماء.


وقد عرض الرجل هذا الاختراع على الهيئة العامة للتصنيع وبعض مصانع البلاستيك فى القطاع العام والتى أقرت بأن العينات التى أرسلت إليها قابلة للتشغيل لكنها تحتاج لمعاملات حرارية معينة لتصل لمستوى الجودة المطلوبة، ويسعى عرابى حاليا لدى وزارة الصناعة ليخرج اختراعه للنور.
الحاجة أم الاختراع
وفى وسط الحقول بمنيا القمح يرتفع منزل مكوّن من ثلاثة طوابق بالمسلح صاحبه استطاع أن يتوصل بنجاح كبير إلى صناعة زجاج السيارات الأمامى الذى نستورد  بعض أصنافه من الخارج، والرجل بلا مؤهلات فقط مجرد أنه ترك ميدان الزراعة المحيط به واشتغل فترة كصبى ميكانيكي، وعندما كسر منه لوح زجاج إحدى السيارات صمّم صاحب الورشة على أن يقوم بدفع عشرين جنيهًا لصاحب السيارة ولم يجد وقتئذ الصبى محمد النعناعى أمامه سوى منزل أبيه الذى باعه لكى يسدد ثمن الزجاج المكسور.
ومن وقتها، قرّر محمد أن يدرس ويبحث سر صناعة هذا الزجاج نظرًا لارتفاع سعره وندرة وجوده، ولكى يعوض المنزل الذى باعه بسبب خطأ مفاجئ وقع فيه وهو مقتنع تمامًا بصحة المثل القائل «الحاجة أم الاختراع».
وقد كانت ضمن مجهودات النعناعى فى هذا السبيل أن طلب من رئيس المدينة تسهيل مهمته لزيارة مصانع الزجاج فى الجمهورية، وسافر الرجل إلى القاهرة والإسكندرية وجمع المعلومات التى تفيده فى عمل فرن صهر الزجاج وسكبه فى قوالب بجميع مقاسات السيارات التى ترد إليه.
وتمكن من بناء الفرن بالمواصفات الصحيحة فى منزله وجلب معدات خاصة لصقل الزجاج وتلميعه وعندما نجحت تجاربه استطاع أن يبيع باكورة إنتاجه بثمن اشترى به منزل أبيه ومنذ ذلك الوقت اكتسب الأوسطى النعناعى شهرة واسعة داخل الشرقية وخارجها بعد عشر سنوات من الدراسة والتجارب والخسائر.
(«آخرساعة» 9  ستمبر 1970)

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة